المخاطر السياسية تهدد استقرار الشركات عبر التغيرات غير المتوقعة في البيئة السياسية، مثل التدخلات الحكومية، الحروب، والإخلال بالعقود. لمواجهة هذه المخاطر، يجب تحديدها بدقة وتقييم تأثيرها واحتمالها، ثم تطبيق استراتيجيات مثل التحالفات الاستراتيجية والتأمين وتنويع الاستثمارات. يتطلب الأمر أيضًا متابعة دائمة للمشهد السياسي وتحديث الخطط وفقًا لأي تغييرات لضمان استمرارية الأعمال.
هناك العديد من المخاطر التي تواجهها الشركات والتي تهدد استمرار عملياتها واستقرارها وأمنها المالي، وتُعد المخاطر السياسية من أبرز تلك المخاطر، وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في مستويات المخاطر السياسية لم تستطع الكثير من الشركات التعامل معها وتجاوزها نظرًا لعدم استعدادها لها بما يكفي، وهو ما أدى في النهاية إلى إفلاسها واندثار علاماتها التجارية، لذلك نناقش في هذا المقال تعريف المخاطر السياسية وأنواعها وسلبياتها وأمثلة عليها وكيفية الوقاية منها، إضافة إلى خطوات تحديد وإدارة المخاطر السياسية.
المخاطر السياسية:
تشير المخاطر السياسية إلى المخاطر التي تنتج عن التغيرات التي تحدث في البيئة السياسية بصورة غير متوقعة، والتي تؤثر سلبًا على الاستثمارات والأعمال التجارية وينتج عنها حدوث خسائر اقتصادية واضطرابات، فعندما تتعرض بلد ما لاضطرابات تؤدي إلى عدم استقرارها سياسيًا؛ فقد يشكل ذلك خطرًا على المستثمرين الذين لديهم استثمارات في الأدوات المالية مثل صناديق الديون والصناديق المشتركة وحقوق الملكية.
ولا يقتصر تأثير المخاطر السياسية في الأعمال التجارية على الشركات فحسب؛ بل يمتد هذا التأثير ليشمل النظام الاقتصادي للبلد وجميع المنظمات العاملة فيه، وهو ما يؤدي إلى تبعات اقتصادية طويلة المدى تستغرق البلد وقتًا طويلًا للتعافي منها.
وتتعدد العوامل التي تساهم في خلق المخاطر السياسية، وهو ما يفرض على المؤسسات ضرورة الاستعداد الكافي لتلك المخاطر من أجل تقليل آثارها السلبية قدر الإمكان.
أنواع المخاطر السياسية:
تنقسم المخاطر السياسية إلى عدة أنواع، نبرزها فيما يلي:
1- التدخل الحكومي
تُعد التدخلات الحكومية من أكثر أنواع المخاطر السياسية شيوعًا، إذ تتمثل تلك التدخلات في القرارات التي تتخذها الحكومة بمصادرة استثمارات الشركات والأصول الخاصة والاستيلاء على العمليات التجارية بالكامل، وهذا الإجراء الذي يُعرف باسم التأميم، والذي تقوم الحكومة من خلاله بتولي ملكية الشركة، وفي بعض الحالات يتم دون منح الشركات الأجنبية المستثمرة أي تعويض، وهو ما يجعل الكثير من الشركات الأجنبية تقرر عدم الاستثمار في البلد التي تقوم حكومتها بتأميم الشركات.
كما تتضمن التدخلات الحكومية ما يلي:
- التجريد القصري: إذ تجبر الحكومة الشركة على بيع جزء من ملكيتها لعملية تجارية محلية.
- مصادرة الأصول: تقوم الحكومة بمصادرة أصول معينة مملوكة لشركات أجنبية التي قد تتكبد خسائر فادحة ما لم تحصل على تعويض.
- المصادرة التدريجية: تستولى الحكومة بالتدريج على الشركة عن طريق زيادة الضرائب على الأرباح، أو زيادة الضرائب على الممتلكات، أو إدخال حواجز تمنع التشغيل العادي.
2- الحرب والإرهاب والاضطرابات الأهلية
تتأثر العمليات التجارية للشركات في حال تعرض البلد لأحداث تهدد استقرارها، وهي اندلاع الحروب وشن الهجمات الإرهابية وحدوث أعمال الشغب، إذ تؤدي تلك الأعمال إلى إلحاق الضرر بالبنية التحتية وبالمباني فقد يتم تدميرها أو إغلاقها، إلى جانب تضرر الممتلكات والأموال، بما يحد من قدرة الشركات على مواصلة أعمالها.
وفي بعض الأحيان، يمكن أن تستهدف تلك الاضطرابات بعض الشركات كونها من ضمن الأعداء السياسيين، وهو ما يشكل خطرًا على التدفق النقدي للشركات.
3- القيود على تحويل العملة
من أبرز المخاطر السياسية التي تواجه المستثمرين الأجانب، فرض حكومة البلد قيودًا على تحويل العملة المحلية إلى الدولار الأمريكي أو أيًا من العملات الصعبة الأخرى، وذلك من أجل تحقيق مستوى من الاستقرار في أسعار الصرف، وبالتالي لا يستطيع المستثمر إعادة الأرباح أو أرباح الأسهم أو الفوائد أو المدفوعات الأصلية من مشروع خارجي.
4- الإخلال بالعقود
يحدث هذا النوع من الخطر عندما لا تلتزم الحكومة الأجنبية أو وكلاؤها بالاتفاق أو العقد الذي وقعته مع مستثمر، أو عندما تتدخل في الطريقة التي يتم بها تنفيذ التعاقد، وهو ما يؤثر سلبًا على حقوق المستثمر، فيقرر عدم الاستثمار في البلد التي تتبع حكومتها هذا النهج.
5- المخاطر التنظيمية
ترتبط المخاطر التنظيمية بقرارات الحكومة بإجراء تغييرات في القوانين واللوائح التي يمكن أن تؤثر على العمليات التجارية، فقد تغير من تلك الأنظمة القائمة أو تضع سياسات جديدة أو تفرض تدابير صارمة، وتؤثر على الصناعات والشركات.
ومثال على ذلك، قد تقرر الحكومة تغيير اللوائح البيئية السارية، فتتأثر عمليات التصنيع بالسلب ويضطر أصحاب الأعمال لزيادة تكاليف الامتثال.
6- مخاطر العملة
تحديًا آخر يواجهه أصحاب الأعمال التجارية متمثلًا في القرارات السياسية التي تتخذها حكومة البلد وتؤثر على قيم العملات، فقد ينتج عن تلك القرارات حدوث تغيرات مفاجئة في أسعار الصرف على تكلفة الواردات والصادرات، ومن ثم تقل هوامش الربح بنسبة كبيرة.
7- مخاطر السمعة
تتعرض العلامات التجارية للشركات للمخاطر التي قد تؤثر على سمعتها بسبب الأحداث السياسية، وهي مخاطر السمعة التي قد تنشأ نتيجة أحداث خارجة عن سيطرة الشركة، أو بسبب تدخلها في العمليات السياسية مثل الانتخابات والدعاية الانتخابية.
8- المخاطر السيادية
تتعلق المخاطر السيادية بفشل الحكومة في سداد ديونها أو تقوم بإعادة جدولة تلك الديون، وهو ما يؤثر بالسلب على الشركات المحلية والدولية التي تعتمد على العقود الحكومية أو الإعانات، ويمتد هذا التأثير إلى عملياتها التجارية واستمرارها في السوق.
9- المخاطر الجيوسياسية
تنشأ تلك المخاطر نتيجة اتخاذ قرارات سياسية غير متوقعة يمكن أن تؤثر سلبًا على أداء الشركة أو السوق بالكامل، مثل التغييرات في الاتفاقات التجارية أو تغير العلاقات الدولية للبلد أو التوترات العسكرية أو عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وجميعها عوامل تؤدي إلى خلق حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين.
أمثلة على المخاطر السياسية:
إليكم فيما يلي أمثلة على بعض الأحداث الواقعية التي أبرزت تأثير المخاطر السياسية:
مثال 1
في عام 1972، قامت الحكومة الاشتراكية في تشيلي، بقيادة سلفادور أليندي بتعديل الدستور التشيلي، حتى تتمكن من إصدار قرار بتأميم عدة شركات أمريكية المتخصصة في صناعة تعدين النحاس.
مثال 2
أدت الاضطرابات السياسية التي اندلعت في أوكرانيا عام 2013 إلى تضرر الشركات الأجنبية المستثمرة، إذ تعرضت تلك الشركات إلى العنف السياسي الذي ألحق الضرر بالأصول، فضلًا عن أعمال المصادرة التي تمت على نطاق واسع.
مثال 3
في عام 2017، قررت الحكومة الصينية اعتماد مجموعة جديدة من اللوائح التي تنظم الاستثمار الأجنبي بها، إذ وضعت ضوابط أكثر صرامة على الاستثمار الأجنبي في بعض القطاعات، وهو ما أدى إلى تردد الكثير من الشركات الأجنبية العاملة في الصين في اتخاذ قرار الاستثمار، واضطر الكثيرون إلى إعادة تقييم خططهم الاستثمارية.
خطوات تحديد وإدارة المخاطر السياسية:
على الرغم من أن الكثير من المخاطر السياسية تحدث بطريقة خارجة عن إرادة الشركات والمستثمرين؛ إلا أن تحديد وإدارة تلك المخاطر يمكن أن يساعد على تجنب آثارها السلبية أو تقليلها إلى الحد الأدنى، وتتمثل خطوات هذه العملية فيما يلي:
1- تحديد المخاطر السياسية
تتمثل الخطوة الأولى في هذه العملية في تحديد المخاطر السياسية التي قد تؤثر على الأعمال التجارية، وذلك عن طريق جمع المعلومات حول المناخ السياسي في البلدان التي يتم الاستثمار فيها، من خلال متابعة التغييرات في سياسات الحكومة، ومراقبة الأحداث السياسية، وفهم الثقافة السياسية، ورصد مدى احتمالية تعرض البلد للحروب أو الاضطرابات الأهلية، وهو ما يساعد على البقاء على إطلاع مستمر بالتحولات التنظيمية والصراعات السياسية والتغيرات التي تحدث في قوانين العمل.
2- تقييم المخاطر السياسية
يتوقف تقييم المخاطر السياسية على عاملين أساسيين، وهما التأثير المُحتمل لكل خطر على العمل، واحتمالية حدوث كل خطر، ومن ثم يتم إعطاء الأولوية لإدارة المخاطر وتخصيص الموارد بناءً على هذين العاملين.
3- إدارة المخاطر السياسية
في هذه الخطوة، تتم صياغة الاستراتيجيات التي تساعد على التخفيف من المخاطر السياسية المُحددة، ومن أمثلة تلك الاستراتيجيات ما يلي:
- التحالفات الاستراتيجية: إذ تقوم الشركات بالدخول في تحالف استراتيجي مع الاتحادات الصناعية أو المنظمات غير الحكومية، من أجل توفير الحماية الكافية للأعمال التجارية في حال وقوع أي خطر سياسي.
- التأمين ضد المخاطر: إذ تقوم الشركات بالتعاقد مع شركات تأمين من أجل تولي مسؤولية تغطية أية خسائر مالية عند وقوع المخاطر السياسية المؤثرة على الأعمال التجارية.
- التنويع الجغرافي: في هذه الاستراتيجية لا تركز الشركات على سوق واحد للاستثمار فيه، بل تعمد إلى تنويع استثماراتها في عدة بلدان ومناطق.
- الاتفاقات التعاقدية: يمكن للشركات توفير الحماية الكافية لها ضد تداعيات المخاطر السياسية من خلال إدراج بنود في العقود تحميها من أية تغيرات.
كما تتضمن هذه الخطوة قيام الشركات بوضع خطط للطوارئ لضمان استمرارية تصريف الأعمال في حالة حدوث اضطرابات، فضلًا عن التدابير المتخذة لحماية أصولها المادية مثل المباني والمعدات.
4- الرصد والتحديث
نظرًا لأن إدارة المخاطر السياسية عملية مستمرة؛ فمن الضروري أن تقوم الشركات بمراقبة المشهد السياسي بصورة مستمرة عن طريق رصد التغييرات في السياسات الحكومية، والاضطرابات الاجتماعية، والأنشطة الإرهابية، ومراجعة استراتيجيات التقليل من المخاطر التي قامت بوضعها من أجل الاستعداد لإجراء التعديلات اللازمة وفقًا للتغيرات السياسية المُحتملة.
تعلم إدارة المخاطر واحصل على شهادة معتمدة فيها:
يمكنك الاعتماد على بكه للتعليم في الالتحاق بدورات تدريبية في إدارة المخاطر، تؤهلك للالتحاق بالاختبار والحصول على شهادة مهنية مُعتمدة في هذا المجال، بما يساعد على إعطائك الأفضلية عند التقدم لمختلف الوظائف، حيث تقدم منصة بكه، العديد من الدورات التدريبية المُعتمدة في مجال إدارة المشاريع، ومنها دورات في إدارة المخاطر.
انضم إلينا في دورة MoR® التأسيسية واكتسب المعرفة الشاملة والمهارات اللازمة لتحديد وتقييم ومراقبة المخاطر بفاعلية، وتطبيق إطار عمل MoR لتحقيق أهدافك الاستراتيجية.
تطمح إلى أن تكون "صانع القرار" الذي يقود المشاريع نحو بر الأمان؟
سجل الآن في دورة إدارة المخاطر الاحترافية PMI-RMP® وتعلم كيف تتقن فن إدارة المخاطر في المشاريع، وتتجنب العقبات، وتحقق النجاح المنشود.
لكن يبقى السؤال، لماذا أختار بكه؟
في بكه، نؤمن بأن طريقك للنجاح يبدأ باختيار الشريك التعليمي المناسب. نحن لسنا مجرد مؤسسة تدريبية، بل نحن حاضنة لمهاراتك وطموحاتك بسجل حافل من الإنجازات والنجاحات.
انضم إلى عائلة بكه
كن جزءًا من مجتمعنا المتنامي من المتعلمين الطموحين والمحترفين في مجال إدارة المشاريع.
استثمر في مستقبلك المهني معنا، واختر من باقة دورات إدارة المشاريع ما يناسبك احتياجاتك وأهدافك.
اقرأ بروشور خاص وشامل عن تعلم إدارة المخاطر الاحترافية.
إذا كنت تتطلع للحصول على شهادة مُعتمدة في إدارة المخاطر؛ يمكنك الاعتماد على بكه للتعليم والتي توفر لك الدورات التدريبية المتخصصة في هذا المجال والتي يقدمها الخبراء المتخصصين والمُعتمدين، بما يؤهلك للحصول على وظائف مميزة في مجال إدارة المخاطر.
الخاتمة:
تشير المخاطر السياسية إلى التهديدات الناتجة عن التغيرات غير المتوقعة في البيئة السياسية، والتي قد تؤثر سلبًا على الاستثمارات والأعمال التجارية، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية واضطرابات. تشمل أنواعها التدخل الحكومي، الحروب، الإرهابيات، القيود على تحويل العملة، الإخلال بالعقود، المخاطر التنظيمية، المخاطر الاقتصادية، ومخاطر السمعة، وكلها يمكن أن تعيق استقرار الشركات وتجعلها عرضة للخسائر.
لإدارة هذه المخاطر، يجب أولاً تحديدها من خلال متابعة الأوضاع السياسية، ثم تقييمها بناءً على تأثيرها واحتمالية حدوثها. بعد ذلك، يتم وضع استراتيجيات للتخفيف من المخاطر مثل التحالفات الاستراتيجية، التأمين، التنويع الجغرافي، وإدراج بنود حماية في العقود. أخيرًا، تحتاج الشركات إلى مراقبة المشهد السياسي وتحديث استراتيجياتها باستمرار لضمان التكيف مع أي تغييرات سياسية محتملة.
وفي الختام، فإن تعرف أصحاب الأعمال التجارية على المخاطر السياسية أمرًا لا بد منه، حتى يتسنى لهم وضع الاستراتيجيات الفعالة لإدارة المخاطر والتي تقلل من تأثيراتها السلبية إلى أدنى حد، بما لا يؤثر بشكل كبير على الأعمال التجارية والاستثمارات.