في ظل التغيرات المستمرة والتعقيدات التي تواجهها المنظمات في مختلف الصناعات، باتت إدارة المخاطر والالتزام باللوائح وإنشاء عمليات تحكم مختلف المهام، عناصر أساسية لضمان النجاح التنظيمي، خاصة بعد تعدد أنواع المخاطر التي تهدد استمرار الأعمال إذا لم تتم إدارتها بشكل كافٍ، لذلك فإن الحوكمة والمخاطر والامتثال هي أفضل طريقة للتعامل مع مناخ الأعمال المتغير باستمرار، وحماية المنظمات من التأثر به، وفي سطور هذا المقال نناقش مفهوم الحوكمة والمخاطر والامتثال وأدواته والمسؤول عنها وآلية عملها والتحديات التي تواجهها، والفرق بين الحوكمة والالتزام.
مفهوم الحوكمة والمخاطر والامتثال (GRC):
يشير مصطلح الحوكمة والمخاطر والامتثال GRC إلى النهج الشامل الذي تستخدمه المنظمات في إدارة المخاطر التي تواجهها وضمان الامتثال للوائح، ومواءمة العمليات مع الأهداف الاستراتيجية، وهو ما يساعد على تحسين أداء المنظمات وخفض التكاليف وضمان نمو الأعمال.
وتتضمن استراتيجية أو نهج الحوكمة والمخاطر والامتثال استخدام مزيجًا من الأشخاص والعمليات والتكنولوجيا التي تمكن قادة المنظمات من اتخاذ الإجراءات بصورة أسرع وتحقيق الأهداف ومعالجة عدم اليقين.
وعلى الرغم من إمكانية استخدام المنظمات باختلاف أحجامها هذا النهج؛ إلا أنه مهم بصورة خاصة خاص للمنظمات الكبيرة التي لديها متطلبات واسعة النطاق للحوكمة والمخاطر والامتثال، لأن GRC يضمن تلبية تلك المتطلبات.
وتتمثل مكونات GRC الثلاثة فيما يلي:
- الحوكمة: تشير إلى الإدارة الأخلاقية للمنظمة، إذ يقوم قادتها بتطبيق خطط واستراتيجيات العمل المُعتمدة.
- إدارة المخاطر: وهي العملية التي تقوم بها المنظمة لتحديد وتصنيف وتقييم الاستراتيجيات التي تساعد على التقليل من المخاطر المُحتملة حتى لا تتعطل عملياتها.
- الامتثال: وهو مستوى التزام المنظمة بالمعايير والقوانين واللوائح من أجل تجنب توقيع عقوبات عليها.
ما هو الفرق بين الحوكمة والالتزام؟
يُعد كلًا من الحوكمة والالتزام من العناصر الأساسية للنهج الشامل الذي تتبعه المنظمات من أجل تحقيق النجاح التنظيمي العام، ولكن هناك فرقًا جوهريًا واضحًا بينهما نوضحه فيما يلي:
الحوكمة
الحوكمة هي العملية التي تنفذها المنظمة من أجل ضمان توافق جميع الأنشطة التنظيمية والعمليات والسياسات والمبادئ الموضوعة مع أهدافها وغاياتها، وتنطوي الحوكمة على الطريقة التي يجمع بها المسؤولون التنفيذيون البيانات ويتخذون قرارات استراتيجية ويتواصلون مع أصحاب المصلحة الرئيسيين.
ويمكن القول أن الحوكمة الفعالة التي تساعد على إبقاء المنظمة على المسار الصحيح هي التي تضع الاستراتيجيات وتتخذ القرارات بناءً على ما يتوفر من بيانات ومعلومات تُجمع من عدة مصادر وهي تقارير الضمان ونتائج رصد الامتثال والمراجعة الداخلية للحسابات وتقييم المخاطر.
الالتزام
الالتزام هو امتثال المنظمة لمعايير الصناعة أو اللوائح الحكومية أو لمجموعة من السياسات الداخلية أو الخارجية، من خلال التأكد من أن موظفيها يتبعون الممارسات واللوائح الحاسمة لنمو المنظمة والتي توفر الحماية لها من توقيع عقوبات قانونية ومالية عليها، أي أن الامتثال هو اتباع إطار الحوكمة والالتزام به.
وهناك عناصر أساسية تدخل في تكوين إطار الامتثال وهي:
- تقييم المخاطر من أجل تحديد الثغرات في ضوء متطلبات الامتثال وتنفيذ الإجراءات التي تقلل من تأثيرها إلى أدنى حد.
- وضع السياسات والإجراءات التي توضح الممارسات الأمنية للمنظمة والمسؤوليات الأخلاقية ومراقبة الدخول.
- جمع المعلومات والأدلة على سجلات الوصول وتقييمات المخاطر والإجراءات التصحيحية والحوادث وسجلات التدريب.
ما هو نموذج GRC:
نموذج GRC هو الإطار الشامل الذي يقدم نهجًا موحدًا للإدارة التنظيمية عبر المخاطر والحوكمة والامتثال، إذ يتضمن مجموعة من الإرشادات التي تستخدمها المنظمة في تنفيذ GRC بفعالية، من أجل تحسين الكفاءة وضمان الامتثال وتحسين عملية صنع القرار.
وتتمثل آلية عمل نموذج GRC في تطبيق مجموعة من العناصر الأساسية وهي:
- التعلم: من خلال التعليم والتدريب يمكن التعرف على ثقافة المنظمة وقيمها، ومن ثم تحديد الاستراتيجيات والإجراءات التي تساعد على بلوغ أهدافها.
- المواءمة: عند اتخاذ القرارات، يتم النظر في المتطلبات والقيم والفرص والتهديدات، وهو ما يساعد على توافق الاستراتيجيات والإجراءات والأهداف.
- الأداء: يتم تنفيذ الإجراءات التي تساعد على إدارة المخاطر ورصد الأداء والحفاظ على الامتثال، من خلال مراجعة ومراقبة العمليات لاكتشاف أية تغيرات مفاجئة.
- التقييم: يتم مراجعة وتقييم الاستراتيجيات والإجراءات التي جرى تنفيذها للتأكد من توافقها مع الأهداف العامة للمنظمة، ومن ثم إجراء التغييرات المطلوبة.
مهام إدارة الحوكمة والالتزام:
في المنظمات، تتعدد المهام التي تنفذها إدارة الحوكمة والالتزام بهدف توافق العمليات مع المبادئ والقوانين المعمول بها، وتشمل تلك المهام ما يلي:
1- تحديد أهداف المنظمة وغاياتها
تقوم إدارة الحوكمة والالتزام بتحديد الأهداف التي تسعى المنظمة لتحقيقها وتحدد آلية بلوغها، وتتأكد من توافق تلك الأهداف مع المهمة والرؤية وتنفيذها من خلال الخطة الاستراتيجية.
2- تحديد ثقافة المنظمة
تضع إدارة الحوكمة والالتزام ثقافة المنظمة التي تشير إلى كيفية تفاعل الأشخاص داخل المنظمة مع بعضهم البعض، والتي تتأثر برؤية المنظمة وثقافتها، وبالتالي فهي تعكس سلوكيات وقرارات كبار القادة.
3- تحديد المعايير الأخلاقية للمنظمة
تتولى إدارة الحوكمة والالتزام مهمة تحديد المعايير الأخلاقية للمنظمة، وهي الأخلاق والقيم التي ترغب المنظمة في إبرازها وتحكم سلوكيات جميع الموظفين، وذلك من خلال وضع مدونة الأخلاق ومدونة قواعد السلوك وسياسة تضارب المصالح، والتي توضح السلوكيات المُراد اتباعها لأنها تصب في صالح المنظمة.
4- تشكيل هياكل الحوكمة
من خلال إدارة الحوكمة والالتزام، يتم تشكيل هياكل الحوكمة وتنفيذها، عن طريق إنشاء نظامًا قويًا يتضمن القواعد والممارسات والعمليات التي توجه المنظمة وطريقة أدائها.
5- ضمان الامتثال
يقع على عاتق إدارة الحوكمة والالتزام مهمة التأكد من التزام المنظمة بالقوانين والأنظمة واللوائح والسياسات الداخلية التي تحكم تنظيمها، من خلال إجراء مراجعات دورية على العمليات وتحديد المجالات المحتملة للضعف والمخاطر المتعلقة بالامتثال وتنفيذ التدابير التي تعالجها، وهو ما يضمن استمرار المنظمة في وضع قانوني جيد يحميها من مختلف العقوبات ويحمي سمعتها من أي ضرر.
6- التواصل مع أصحاب المصلحة
تتعاون إدارة الحوكمة والالتزام مع أصحاب المصلحة في توفير التثقيف اللازم بشأن سياسات وإجراءات الحوكمة ذات الصلة، وهو ما يُعد أهم عناصر إطار الحوكمة.
المسؤول عن GRC:
يتولى مسؤولية تنفيذ عمليات الحوكمة والمخاطر والامتثال كبار المسؤولين التنفيذيين الماليين ومسؤولي الامتثال وفرقهم، الذين يتعاونون مع فرق تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية وقادة الفرق التشغيلية في جميع أنحاء المنظمة.
وفيما يخص نظام الحوكمة، فإن مجلس إدارة المنظمة هو الذي يحدد السياسات العليا ويتولى الإشراف على تنفيذها، ويتأكد من تنفيذ نظم رقابة فعالة، كما يكلف اللجان التي تنبثق عنه بمهمة الإشراف على جوانب محددة من نظام الحوكمة.
وتقوم إدارة المخاطر بالمنظمة بمهمة تحديد المخاطر المُحتملة وتقييم مدى تأثيرها وتضع وتنفذ الاستراتيجيات التي تساعد على التحكم بها.
أما مسؤولي الالتزام CCO يتولون مسؤولية التحقق من التزام المنظمة باللوائح والقوانين المُتبعة، مع تطوير السياسات والإجراءات ذات الصلة ومراقبة تنفيذ الموظفين برامج الالتزام.
أدوات GRC:
أدوات GRC هي مجموعة من البرامج التي تستخدمها المنظمات في تنفيذ نظام الحوكمة والمخاطر والامتثال، إذ تمكنها من تحسين استراتيجيات الحوكمة الخاصة بها، وتبسيط عمليات إدارة المخاطر، وضمان الامتثال للمتطلبات التنظيمية، ومن أبرز تلك الأدوات ما يلي:
1- منصة AuditBoard
وهي من أفضل أدوات GRC، إذ تُعد منصة شاملة لإدارة المخاطر، فتدمج إدارة المخاطر ومتطلبات الامتثال وصنع القرار، وتمكن الأقسام وأصحاب المصلحة من التعرف على مختلف المخاطر من أجل تحسين الوعي بها وبالتالي تعزيز صنع القرار.
ومن أهم مميزات المنصة، أنها تتيح مراجعة الامتثال وإدارة مخاطر الغش، فضلًا عن إمكانية استخدامها في مختلف الصناعات مثل الأعمال والطاقة والمواد والتمويل والرعاية الصحية والتصنيع والتعليم وتكنولوجيا المعلومات وغيرها.
2- أداة Archer Insight
تُستخدم أداة Archer Insight بشكل أساسي في إدارة المخاطر، إذ تساعد على تحديد المخاطر بدقة ووضع الاستراتيجيات التي تخفف من حدة تأثيرها، وفي إطار إدارة المخاطر الخاص بالمنظمة، تقوم الأداة بتوحيد حسابات التعرض للمخاطر وإدماج القياس الكمي لها، ومن ثم تساعد في اتخاذ أفضل القرارات فيما يخص إدارة المخاطر وتخصيص الموارد لها بفعالية.
3- برنامج Hyperproof
يُعد برنامج Hyperproof من أكثر برامج الحوكمة والمخاطر والامتثال شيوعًا، فمن خلاله تتمكن المنظمات من إدارة برامج المخاطر والامتثال الخاصة بها، وتتبع المخاطر والتخفيف من حدتها، ومراقبة الامتثال عبر مختلف المعايير واللوائح.
ومن مميزات البرنامج، احتوائه على واجهة سهلة الاستخدام، ومرونة إطار تقييم المخاطر الخاص به، وهو ما يساعد على تبسيط وأتمتة عمليات إدارة المخاطر وتتبع الامتثال لمختلف اللوائح بسهولة.
4- منصة Centraleyes
تم تصميم منصة Centraleyes لاستخدامها في إدارة المخاطر، إذ يمكن من خلالها تحديد المخاطر وأولوياتها وتطوير استراتيجيات التخفيف منها، مع مراقبة مستويات تحمل المخاطر.
وتُعد هذه المنصة هي الأداة المثالية للمنظمات التي تسعى لإدارة المخاطر والامتثال بفعالية وكفاءة، فهي تتيح للمستخدمين استخراج بيانات المخاطر من جميع أنحاء المنظمة وإنشاء تقارير من أجل اتخاذ القرار في الوقت الفعلي بسهولة.
5- برنامج Resolver
يُعد برنامج Resolver حلًا شاملًا لنظام الحوكمة والمخاطر والامتثال، فمن خلاله تنجح المنظمات في تحسين ثقافة المخاطر الخاصة بها وتعزيز كفاءتها التشغيلية، لأنه يتيح إدارة المخاطر والامتثال التنظيمي من خلال إجراء عمليات المراجعة الداخلية الآمنة والمرنة للحسابات ورصد الامتثال.
6- منصة Riskonnect
تحتوي منصة Riskonnect على مجموعة من المميزات الشاملة التي تجعلها من أفضل أدوات GRC، إذ تدمج الحوكمة والإدارة والإبلاغ عن عمليات الأداء والمخاطر والامتثال عبر المنظمة، كما أن التحليلات الاستراتيجية التي تقدمها توفر معلومات قيمة حول المخاطر المُحتملة، وبالتالي يمكن استخدامها في مختلف الصناعات مثل التصنيع والرعاية الصحية والخدمات المالية والتأمين.
تحديات الحوكمة والمخاطر والامتثال:
تواجه المنظمات مجموعة من التحديات التي تقوض قدرتها على تطبيق نظام الحوكمة والمخاطر والامتثال بفعالية، وتشمل تلك التحديات ما يلي:
1- ضعف الرؤية
قد لا يمكن تنفيذ عملية الحوكمة والمخاطر والامتثال بنجاح نتيجة ضعف الرؤية وعدم حصول أصحاب المصلحة على المعلومات التي يحتاجون إليها لتقييم المخاطر وإدارتها على النحو الأمثل.
كما يحدث ضعف الرؤية نتيجة عدم فهم عمليات GRC ومن ثم صعوبة تنسيق مبادراتها عبر مختلف الأقسام، مع صعوبة قياس أداء هذه العملية وبالتالي عدم القدرة على تحديد مجالات التحسين.
2- العمليات اليدوية
تشير العمليات اليدوية إلى اتباع الأساليب التقليدية عند جمع وتخزين وتبادل المعلومات الخاصة بنظام الحوكمة والمخاطر والامتثال، إذ يتم تنفيذ جميع تلك الأنشطة بشكل يدوي، وهو ما يؤدي إلى استغراق وقتًا طويلًا في تنفيذ هذه العملية، فضلًا عن ارتكاب الأخطاء المُكلفة وعدم القدرة على الوفاء بالمواعيد النهائية.
3- ضعف التواصل
ينتج عن ضعف التواصل في المنظمة التي تطبق نظام الحوكمة والمخاطر والامتثال صعوبة في تنفيذ العمليات المطلوبة وسوء الفهم والتأخير في اتخاذ القرارات، فضلًا عن ضعف التنسيق بين الفرق والموظفين، وبالتالي تصبح عمليات GRC غير فعالة كما يصعب تحديثها والحفاظ عليها بانتظام.
4- نقص الموارد
إذا كانت المنظمة التي تسعى لتنفيذ نظام الحوكمة والمخاطر والامتثال تعاني من نقصًا في مواردها؛ فلن تتمكن من تنفيذ جميع الضوابط اللازمة أو مراقبة أدائها أو الحفاظ على فعالية النظام، ولن تستطيع تدريب موظفيها وتثقيفهم بشأن مبادئ GRC، وبالتالي لن يدركوا مسؤولياتهم كما ينبغي، وهو ما يُعرض المنظمة للعديد من المخاطر.
5- تكرار البيانات
يُعد تكرار البيانات من أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ نظام الحوكمة والمخاطر والامتثال، إذ تحدث هذه المشكلة نتيجة عدم اعتماد المنظمة على نظام مركزي لإدارة البيانات، وبالتالي يقوم كل قسم بتوليد وتخزين بياناته الخاصة، في الوقت الذي يعمل فيه نظام GRC على دمج جميع البيانات داخل المنظمة، وهو ما يؤدي إلى تكرارها.
تعلم إدارة المخاطر والحوكمة واحصل على شهادة معتمدة فيها:
تقدم منصة بكه، العديد من الدورات التدريبية المُعتمدة في مجال إدارة المشاريع، ومنها دورات في إدارة المخاطر. ومنها:
اقرأ بروشور خاص وشامل عن تعلم إدارة المخاطر الاحترافية.
وتقدم بكه أيضًا العديد من دورات حوكمة نظم المعلومات ومنها التالي:
الخاتمة:
الحوكمة والمخاطر والامتثال (GRC) هو نهج شامل يساعد المنظمات على التعامل مع المخاطر وضمان الامتثال لللوائح مع مواءمة العمليات مع الأهداف الاستراتيجية. يشمل GRC الحوكمة، التي تدير الأنشطة وفقًا للأهداف، وإدارة المخاطر، التي تحدد وتخفف المخاطر المحتملة، والامتثال، الذي يضمن الالتزام بالمعايير والقوانين. يتم تنفيذ GRC من خلال استراتيجيات شاملة تجمع بين الأشخاص والعمليات والتكنولوجيا، مما يسهم في تحسين الأداء وتقليل التكاليف. تواجه المنظمات تحديات مثل ضعف الرؤية والعمليات اليدوية، لكن أدوات مثل AuditBoard وArcher Insight تساعد في تعزيز فعالية النظام وتحسين إدارة المخاطر والامتثال.
وفي الختام، فإن تزايد المخاطر في بيئة الأعمال الحالية، فرض على المنظمات ضرورة الاستفادة من جميع أدوات إدارة المخاطر وكافة معايير الامتثال، من أجل ضمان تحقيق أهداف الأعمال.