منذ سنوات عِدة، باتت استراتيجيات التعلم الذاتي ضمن أهم الوسائل التي لجأ إليها العديد من الأشخاص حول العالم، بهدف تطوير مهاراتهم وصقل خبراتهم في مجال أو تخصص ما.
وقد ساعد ذلك على التفوق الأكاديمي في هذا التخصص، أو على اقتناص فرص عمل مناسبة، أو إحراز تقدمًا وظيفيًا، وأكثر ما جعل هناك إقبالًا على استراتيجيات التعلم الذاتي هو تعددها، وإمكانية الاستفادة من هذه العملية بأكثر من طريقة نوضحها من خلال السطور التالية.
مفهوم التعلم الذاتي
يمكن تعريف التعلم الذاتي بأنه ممارسة يكتسب من خلالها الفرد معلومات أو ما يعرف بـ مهارات التعلم الذاتي طبقًا لاحتياجاته، بعيدًا عن بيئة الفصل الدراسي داخل المدرسة، بمساعدة أو دون مساعدة.
وتتضمن هذه الممارسة عدة تقنيات تساعد الفرد على تطوير قدراته على تعليم نفسه مادة أو تخصص جديد، إذ يمكن لممارس تلك التقنيات اختيار الموضوع الدراسي وأساليب البحث الخاصة به، مع تحديد نطاق عملية التعلم.
ويساعد التعلم الذاتي على تطوير هواية جديدة، أو تعلم لغة جديدة، أو اكتساب قدرات مفيدة، يمكن أن تساهم في تعزيز الحياة المهنية.
ولم يعد الحصول على المعلومات في مختلف المجالات عملية صعبة مثلما كان في السابق، فالتطور التكنولوجي الذي يشهده العالم منذ عشرات الآلاف من السنين أوجد العديد من المصادر التي يمكن استقاء مختلف المعلومات منها، تلك المصادر التي صنعت الرغبة في التعلم الذاتي.
استراتيجيات التعلم الذاتي
هناك العديد من الاستراتيجيات التي أثبتت فاعليتها في التعلم الذاتي، والتي يؤدي اتباعها إلى جعل هذه العملية ممتعة ومحفزة لتعلم المزيد، وتتمثل تلك الاستراتيجيات فيما يلي:
1- استراتيجية التفسير الذاتي التفصيلي
التفسير الذاتي التفصيلي هو استراتيجية يتبعها الدارس، وتتطلب منه طرح أسئلة على نفسه حول المحتوى ومدى معرفته به.
وينتج عن اتباع هذه الاستراتيجية تحفيز الاسترجاع من الذاكرة، إلى جانب التركيز ليس فقط على الأسئلة المتعلقة بالحقائق، ولكن التركيز أكثر على أسئلة التفكير النقدي، بهدف فهم المادة بشكل أكثر عمقًا.
2- استراتيجية الممارسة الموزعة
تعتمد هذه الاستراتيجية على استخدام جدول زمني، يتضمن أنشطة الدراسة المتكررة على مدى فترة زمنية أطول، ولا يتعلق ذلك بمدة الدراسة، ولكن بكيفية تحديد موعد الدراسة، وبالتالي فإن إعادة ترتيب وقت الدراسة يساعد على التعلم بشكل أفضل.
3- استراتيجية الممارسة المتشابكة
تتمحور استراتيجية الممارسة المتشابكة حول كيفية جدولة مجموعات مختلفة من المواد التعليمية، وهي ضرورية عند الالتحاق بدورات تدريبية قائمة على دراسة الحالات، مثل الدورات المتخصصة في الرياضيات أو المجالات الطبية.
4- استراتيجية التعلم بالاختبار
وهي استراتيجية تركز على زيادة تحصيل ما تعلمه أو درسه الفرد والتمكن من تذكره من خلال الإجابة على أسئلة الاختبارات الخاصة بهذه المعلومات، فقد تكون الأسئلة تتطلب إجابات قصيرة مثل اختيار الصواب والخطأ، أو إجابات طويلة مثل الاختبارات التحريرية، وما يساعد على حفظ المعلومات بسهولة أيضًا تكرار إجراء الاختبار.
طرق التعلم الذاتي
تتعدد الطرق الفعالة للتعلم الذاتي، والتي تساهم في اكتساب المعارف والمهارات حول تخصص ما، وتتمثل تلك الطرق فيما يلي:
1- القراءة
تُعد القراءة من الطرق الفعالة للتعلم والتثقيف الذاتي، والتعلم الذاتي لا يحتاج فقط مجرد قراءة كتاب؛ ولكن لا بد من استيعاب ما يُقرأ، والاحتفاظ بأهم النقاط من خلال تدوينها في صورة ملاحظات.
ولأن الإنترنت أصبح من التقنيات التي لا يمكن الاستغناء عنها حاليًا؛ فيمكن الاستفادة منه في التعلم الذاتي عبر القراءة، إذ تحتوي المواقع الإلكترونية على عشرات الآلاف من الكتب والمقالات، والتي يمكن الاختيار من بينها طبقًا لاحتياجات الدارس، كما يمكن استعارة الكتب أو شرائها.
2- تدوين الملاحظات
يُعد تسجيل المعلومات خلال عملية التعلم الذاتي، من أهم الخطوات الواجب وضعها في الاعتبار، حتى تصبح هذه العملية فعّالة، فاستخدام الصور والرسوم التوضيحية، يساعد على تحسين الذاكرة، وتعزيز الفهم.
ويمكن القيام بتدوين الملاحظات خلال مشاهدة مقاطع الفيديو التعليمية، أو الاستماع إلى المحتويات الصوتية.
3- مقاطع الفيديو التعليمية
يُعد التعلم بالاستعانة بمقاطع الفيديو التعليمية، من أمتع طرق التعلم الذاتي وأكثرها سهولة، إذ تتوفر على الكثير من المواقع الإلكترونية عدد كبير من مقاطع الفيديو في مختلف المجالات، والتي تزود الدارسين بمزيد من المعلومات التي تساهم في صقل الخبرات والمهارات.
وفي الوقت الحالي، تستعين جميع المدارس والجامعات بمقاطع الفيديو التعليمية، لتوفير تجربة تعليمية أفضل للطلبة.
4- الدورات التدريبية
من ضمن طرق التعلم الذاتي عبر الإنترنت، الالتحاق بالدورات التدريبية الإلكترونية المتوفرة في مختلف المجالات، تلك الدورات التي تتنوع ما بين مدفوعة ومجانية، وتساهم في تعزيز المهارات.
وتتميز الدورات التدريبية التعليمية التي توفرها العديد من المنصات الإلكترونية، بأنها تتيح الاختيار أمام الدارس لاختيار توقيت الدراسة الذي يناسب وقته، حسب دراسته أو عمله.
خطوات التعلم الذاتي
خلال السنوات الأخيرة، ازداد اعتماد الطلبة على أنفسهم في عملية التعلم، بفضل تطور المنصات وطرق التدريس المختلفة عبر الإنترنت، كما اتجه الكثير من الأشخاص الذين يعملون من المنازل إلى تعليم أنفسهم بشكل ذاتي، بالاعتماد على الإنترنت، فأصبحوا يديرون هذه العملية بصورة أكثر استقلالية.
وحتى تصبح عملية التعلم الذاتي فعّالة؛ فإن كل دارس يحتاج إلى تطوير أداءه التنفيذي مع التنظيم الذاتي، حتى يستطيع التعلم بمفرده، والالتزام بالمهام والمهارات اللازمة لمراقبة مدى تقدمه، ولذلك فإن هذه العملية يجب أن تمر بمجموعة من الخطوات التي يتعين عليك القيام بها وهي:
1- تحديد أهداف التعلم الذاتي
بالطبع، فإن عملية التعلم الذاتي لا تحدث بشكل عبثي، إذ يجب أن تسبقها عدة أهداف عليك وضعها قبل البدء في أي خطوة، تلك الأهداف التي يجب أن تتماشى مع التزاماتك المهنية والشخصية، بما يساعدك على خلق عادات فعالة في هذه العملية.
ويجب أن تكون أهدافك من التعلم الذاتي واقعية وقابلة للتحقق، أي أن تسأل نفسك ماذا تريد من هذه العملية؟ هل تريد اكتساب معارف ومهارات جديدة تفيدك في حياتك الدراسية أو المهنية؟ أم تريد التعلم لمجرد المعرفة؟
2- إنشاء جدول زمني
عملية التعلم الذاتي الفعّالة، تحتاج إلى إنشاء جدول زمني، يتضمن مواعيد أعمالك ومهام التعلم، والتزاماتك الشخصية، هذا الجدول الذي يعينك على تنظيم حياتك بأفضل طريقة ممكنة.
3- مراجعة المعلومات
قبل أن تنتقل من موضوع دراسي إلى آخر، عليك مراجعة جميع ما درست، فهذه الاستراتيجية الفعالة تضمن لك تدوين ملاحظات جديدة أو إعادة قراءة جزء ما، أو تطبيق مهارة جديدة، أو إجراء تقييم قصير.
وتُعد خطوة مراجعة المعلومات، من الخطوات الفعّالة في عملية التعلم الذاتي، إضافة إلى دورها في الاحتفاظ بالمعلومات على المدى الطويل.
4- تجربة أشكال التعلم المختلفة
قد لا تدرك في بداية تجربتك في التعلم الذاتي، أن لكل فرد أسلوب تعلم يناسبه ويشعر بالراحة فيه، لذلك فمن الضروري أن تجرب مختلف أدوات التعلم الذاتي، ثم تحدد ما يناسبك منها.
ولمزيد من التوضيح، فيمكنك تجربة قراءة الكتب أو المقالات، أو مشاهدة مقاطع الفيديو التعليمية، أو حضور المحاضرات والدورات التدريبية عبر الإنترنت، أو الاستماع إلى المحتويات الصوتية، ثم استقر على الأسلوب الذي ناسبك، وذلك مثل حضور دورات معهد بكه المعتمد في الدورات التدريبية.
5- اختبارات التقييم الذاتي
بعد فترة بسيطة من بداية دراستك، من المهم أن تقيم مقدار المعلومات والمعارف التي اكتسبتها، ويمكنك القيام بذلك عن طريق إجراء اختبارات التقييم الذاتي، والتي تتنوع ما بين اختبارات عبر الإنترنت، الألغاز، الأوراق الوهمية، أو الاستعانة بأحد الأصدقاء في اختبار المهارات والمعارف.
6- الحصول على فترات راحة قصيرة منتظمة
نجاح عملية التعلم الذاتي، يعتمد على عامل مهم وهو الحصول على فترات راحة قصيرة ما بين جلسات الدراسة، إذ تساهم هذه الراحة في زيادة التركيز، بدلًا من الجلوس للدراسة فترات طويلة.
وحتى تستطيع تطبيق هذا العامل بصورة مُنظمة؛ يمكنك تحديد وقت الجلسة الواحدة والذي يستغرق فترة تتراوح ما بين 40 دقيقة إلى 60 دقيقة، وبعد الانتهاء من الجلسة استرح لمدة 15 دقيقة، بعيدًا عن منطقة الدراسة.
ويمكنك إدارة فترات الراحة من خلال ضبط المنبهات في أوقاتها التي حددتها سلفًا في جدولك الزمني، حتى تبقى على المسار الصحيح.
7- اختيار مصادر تعليمية موثوقة
أهم ما يميز عملية الدراسة الذاتية، أنها تتيح لك الاختيار من بين مجموعة مختلفة من المصادر التعليمية، ولكن ضع في اعتبارك أن فاعلية هذه العملية تتوقف على عامل مهم وهو صحة المعلومات التي حصلت عليها.
لذلك، يجب أن تستقي معلوماتك من مصادر موثوقة، فتحقق من صحة المعلومات من مصادر مختلفة، وارجع إلى الكتب الأكاديمية والمجلات والدورات التي نشرها الخبراء، وغير ذلك من المواد التعليمية التي جرى مراجعتها من قِبل الأساتذة والمتخصصين.
8- تطبيق ما تم دراسته
تعزيز تجربة تعلمك الذاتي يحتاج إلى تطبيق المعرفة التي اكتسبتها بشكل عملي، وعلى سبيل المثال، إذا كنت تتعلم لغة جديدة، يمكنك تطبيق ما تعلمت من خلال التحدث مع خبير في هذه اللغة أو مع متعلم آخر، من أجل معرفة نقاط قوتك والتركيز عليها، وتدعيم نقاط ضعفك، وهو ما يزيد من مستوى خبرتك في المجال.
9- التواصل مع المتعلمين ذاتيًا
في بعض الأحيان، تكون تجربة التعلم الذاتي منعزلة، إذ يعتمد المتعلم على نفسه فقط خلال مشواره بها، وهذا ما يحرمه من مهارات وخبرات من الممكن أن يكتسبها إذا تعامل مع زملاء في المجال.
فإذا كنت تواجه هذا الشعور؛ يمكنك التغلب عليه بالتواصل مع زملائك الذين يتعلمون موضوعات مماثلة، فهذا التواصل يساهم في تبادل التعليقات والاقتراحات والنصائح، وهو ما يحفزك على الأداء بشكل أفضل.
10- المراجعة الذاتية
في تجربة التعلم الذاتي أنت مُعلم نفسك، وأنت من تقيم مدى التقدم الذي تحرزه خلال هذه العملية، لذلك عليك مراجعة تجربتك بشكل دوري، فإذا وجدت أن الأسلوب الذي تتبعه لا يتناسب مع هدفك؛ قم بتعديله وتحقق من مدى تقدمك مرة أخرى، واعثر على طرق تحسن من هذه التجربة.
اقرأ أيضًا: أنواع التعلم الذاتي.
دور المعلم والمتعلم في استراتيجية التعلم الذاتي
1- دور المعلم
يمكن أن يكون للمعلم دورًا مساهمًا في التعلم الذاتي وذلك من خلال ما يلي:
- تقديم الدعم والتحفيز للمتعلم لمساعدته على التغلب الصعوبات والتحديات التي يواجهها خلال التعلم.
- اقتراح خطة إرشادية للمتعلم والأساليب والاستراتيجيات المناسبة له لمساعدته على الوقوف على الأهداف من التعلم.
- تقديم نماذج لاستراتيجيات التعلم التي تساعد المتعلم على تطوير أساليبهم في التعلم الذاتي، إلى جانب تنمية مهاراتهم.
- تقييم مستوى المتعلم خلال التعلم الذاتي لتحديد الأمور التي يتطلب تحسينها.
- اقتراح مصادر تعليمية فعّالة للمتعلم تساعده على تحقيق أهدافه مثل الدورات التدريبية والكتب والمقالات.
2- دور المتعلم
دور المتعلم في التعلم الذاتي أساسي لا يتم من دونه، ويبرز دوره في المهام التالية:
- تحديد الأهداف التي يرغب في الوصول إليها من خلال التعلم الذاتي، وهي أهداف محددة وواضحة.
- تحديد المصادر التي يستقي منها المعلومات مثل الدورات التدريبية، الكتب، المقالات، وهي مصادر تناسب قدراته ومهاراته.
- الاعتماد على مهارة إدارة الوقت في التعلم من أجل تحقيق الاستمرارية والانتظام في التعلم.
- تلقي التقييم والنقد من قبل المدربين أو الزملاء من أجل معرفة الأخطاء التي تتطلب تعديلها والأمور المطالب تحسينها.
فوائد التعلم الذاتي
فوائد التعليم الذاتي لا تكاد تحصى، فتعود تجربة التعلم الذاتي على الدارس بالعديد من الفوائد وهي:
- تجربة التعلم الذاتي تعلم المتعلم المرونة في التفكير والتفسير، وكيفية تطبيق المعرفة التي جرى اكتسابها، وهو ما لا يتوفر كثيرًا في التعليم بالشكل التقليدي.
- المُعتمد على التعلم الذاتي، يستطيع الرجوع إلى مختلف المصادر، للتأكد من صحة المعلومات.
- يختار المتعلم ذاتيًا طريقة التعلم التي تناسبه، وتساعده على فهم أقصى قدر من المعلومات والاحتفاظ بها.
- يزرع التعلم الذاتي الرغبة داخل المتعلم في تجربة أشياء جديدة، ويساعد على التعرف على أهم المهارات مثل إدارة الوقت وتحديد الأهداف والتنظيم.
- يمكن للمتعلم ذاتيًا مراقبة مدى التقدم الذي يحرزه في هذه التجربة، وإجراء تعديلات بها لتتناسب مع أهدافه.
- التعلم الذاتي مفيد للعاملين الذين يستغرقون ساعات طويلة داخل عملهم، فيمكنهم اختيار أوقات الجلسات التي تناسب حياتهم المهنية.
- من فوائد ومميزات التعلم الذاتي، أنه يتيح الوصول إلى مختلف المصادر التعليمية بسهولة، حيث تتوفر هذه المصادر على الإنترنت دائمًا، في ظل الاستخدام المتزايد لأجهزة الكمبيوتر وأجهزة المحمول، وغيرها.
- التعلم الذاتي خالي من الضغوط التي يواجهها المتعلم في التعليم التقليدي، فالدارس ليس مُطالب بإكمال موضوع ما خلال فترة زمنية محدودة.
اقرأ أيضًا: عيوب التعليم الذاتي وكيفية التغلب عليها.
دورات تعليمية معتمدة تدرس ذاتيًا:
توفر لك منصة بكه للتعليم الإلكتروني أهم الدورات التدريبية المعتمدة في مجالات مختلفة وعلى أيدي محترفين في المجالات التي يدرسونها ومعتمدين فيها والتي تساعدك على التعلم ذاتيًا بكفاءة وفاعلية.
وفي الختام، فإن اللجوء إلى التعلم الذاتي في الوقت الحالي، أصبح ضرورة حتمية، وليس مجرد خيارًا ترفيهيًا، فهذه العملية تُعد من أهم سُبل تطوير المهارات وصقل الخبرات واكتساب المعلومات.