يُعد الحفاظ على صحة وسلامة الموظفين أولوية لدى العديد من المؤسسات التي ترى أن قوتها العاملة هي رأس مالها الحقيقي الواجب توفير الحماية الكافية له، لذلك يتم تنفيذ مجموعة مختلفة من السياسات التي تساعد على تحقيق هذا الهدف من خلال إدارة المخاطر في مكان العمل والحد من وقوعها والتقليل من تأثيرها، وهو ما يخلق في النهاية بيئة عمل آمنة تساعد على زيادة التركيز في العمل وتعزيز الإنتاجية، ومن أهم سياسات إدارة المخاطر هرم التحكم في المخاطر، وفي هذا المقال نوضح ما هو التسلسل الهرمي للتحكم في المخاطر وكيفية استخدامه وأهميته وأهدافه، وما هي طرق التحكم في المخاطر.
هرم التحكم في المخاطر:
هرم التحكم في المخاطر أو مثلث المخاطر هو عبارة عن نظام أو إطار تستخدمه المؤسسات ضمن العملية الشاملة لإدارة المخاطر لحماية الموظفين من أية مخاطر قد يتعرضون لها في مكان العمل، كما يُعد أداة فعالة لتطوير خطة التحكم في المخاطر وتنفيذ أفضل سياسات إدارة المخاطر داخل المؤسسة.
ويحتوي مثلث المخاطر على خمس وسائل متفاوتة من حيث الفعالية، والتي تمثل ضوابط السلامة للتحكم في المخاطر المهنية، إذ يأتي هذا المثلث على شكل رسم بياني مثلث مقلوب يبدأ من الوسائل الأكثر فعالية إلى الأقل فعالية في حماية الموظفين من التعرض للمخاطر المهنية.
ومن خلال هرم التحكم في المخاطر، يستطيع قسم إدارة المخاطر بالمؤسسة اختيار أكثر الطرق فعالية للسيطرة على خطر معين، وذلك عن طريق التحكم في المخاطر كعملية خطوة بخطوة حتى يتم الاستقرار على أفضل مسار للتحكم في الخطر.
ويُستخدم مثلث المخاطر بشكل شائع في أماكن العمل الصناعية لبعض القطاعات مثل البناء والتصنيع والتعدين وتوليد الطاقة النووية، وغير ذلك، وهي الأماكن التي يكثر بها المخاطر وبالتالي ترتفع بها معدلات الحوادث، وهو يقع تحت مسؤولية قسم السلامة أو مدير السلامة أو المدير، حسب نظام العمل داخل كل مؤسسة.
ما هو التسلسل الهرمي للسيطرة على المخاطر:
وفقًا لمثلث المخاطر، فإن طرق التحكم في المخاطر تحددها مستويات المثلث والتي تشمل ما يلي:
1- إزالة الخطر
يبدأ قمة هرم التحكم في المخاطر بطريقة إزالة الخطر أو القضاء على الخطر، وهي أكثر طرق الهرم فعالية، إذ تنطوي على إزالة المخاطر من بيئة العمل عندما لا يمكن تقليلها إلى مستوى مقبول، وذلك حتى لا تؤثر بالسلب وتشكل خطورة على حياة الموظفين، ومن خلال هذه الطريقة يمكن منع الحوادث المحتملة والإصابات وحتى الوفيات.
وعلى الرغم من فعالية إزالة الخطر؛ إلا أن تنفيذه أمرًا صعبًا نظرًا لما يتطلبه من تكاليف وإصلاحات كبيرة لعمليات مكان العمل الموجودة مسبقًا، ولكن يمكن تنفيذ هذه الطريقة في حال تغيير طريقة العمل.
ومن الأمثلة على إزالة الخطر: شراء معدات غير صاخبة لا تسبب الضوضاء والمشكلات المتعلقة بالسمع لدى الموظفين والعاملين.
2- استبدال الخطر
يُعد استبدال الخطر هي الطريقة الأنسب في حال تعذر القضاء على الخطر، إذ يتم استبدال عنصر أو نشاط خطير بشيء أقل خطورة بعد تقييمه جيدًا والتأكد من أنه أقل خطورة بالفعل، وبالتالي فإن هذه الطريقة تنطوي أيضًا على إزالة الخطر من مكان العمل أو تقليل تأثيره السلبي على الموظفين.
ويمكن تنفيذ طريقة استبدال الخطر بسهولة ودون تكبد الكثير من التكاليف إذا كانت عملية مكان العمل لا تزال في مرحلة التصميم أو التطوير. ومن الأمثلة على استبدال الخطر: استبدال مادة كيميائية مهيجة للجلد بأخرى لها نفس التأثير ولكنها أقل تهيجًا.
3- الضوابط الهندسية
تأتي الضوابط الهندسية في المستوى الثالث من هرم التحكم في المخاطر، وهي عبارة عن إجراءات تهدف إلى تصميم الحلول الفعالة التي تفصل الموظفين بشكل فعلي عن المخاطر، وذلك عن طريق عزل الخطر أو تغيير طريقة أداء المهمة لتقليل التعرض للخطر وجعل بيئة العمل أكثر أمانًا.
وعلى الرغم من أن تنفيذ الضوابط الهندسية قد يكون مكلفًا في بعض الأحيان؛ إلا أن ميزات السلامة الجيدة التي توفرها تقلل من إجمالي تكاليف التشغيل. ومن الأمثلة على الضوابط الهندسية: وضع الحواجز على الآلات ذات الشفرات الدوارة للحماية من الإصابة في حال ملامستها.
4- الضوابط الإدارية
تشير الضوابط الإدارية أو التحكم الإداري في المخاطر إلى التدابير التي تتخذها المؤسسة لتقليل احتمالية حدوث المخاطر، إذ تزيد تلك التدابير من وعي الموظفين بالمخاطر، وبالتالي تغير طريقة عملهم وطريقة أدائهم عمليات معينة.
وتشمل أساليب تنفيذ الضوابط الإدارية ما يلي:
- تدريب وتوجيه الموظفين لتوعيتهم بكيفية القيام بمهمة ما بأمان أو بالمخاطر التي تنطوي عليها.
- إجراء عمليات التفتيش والاختبار لضمان الحفاظ على سلامة الموظفين.
- تنفيذ برنامج صيانة وقائية للحفاظ على المعدات وإبقائها مؤهلة للعمل.
- وضع العلامات التحذيرية أو أجهزة الإنذار حول المعدات والمناطق الخطرة.
- قصر المهام الخطرة على الموظفين المؤهلين فقط.
وتلجأ المؤسسات إلى تنفيذ طريقة الضوابط الإدارية مع الطرق الأخرى التي لا يتم فيها التحكم في المخاطر بالكامل، وهي الطريقة المُفضلة لدى بعض المؤسسات نظرًا لانخفاض تكاليفها على الرغم من عدم فعاليتها بصورة كبيرة لأنها تتطلب بذل الموظفين المزيد من الجهود.
5- معدات الحماية الشخصية
وهي المستوى الأخير من هرم التحكم في المخاطر والأقل فعالية من بين المستويات السابقة لأنه لا يزيل المخاطر ولا يقلل من احتمالية حدوثها، وتشير تلك المعدات إلى المعدات المادية التي تقوم المؤسسة بتزويد موظفيها بها من أجل ارتدائها خلال قيامهم بأداء العمل حتى توفر لهم الحماية من المخاطر المُحتملة، وتشمل: الخوذات الصلبة، دروع الوجه، النظارات الواقية، القفازات، أحذية الأمان، غطاء الأذن، الملابس المقاومة للحريق، أجهزة التنفس، وغيرها.
وتنفذ المؤسسات هذه الطريقة مع الطرق الأخرى والتي ينتج عنها عدم التحكم الكامل في المخاطر، وقد تكون مُكلفة وغير فعالة على المدى البعيد في حال ارتداء تلك المعدات بشكل خاطئ.
تتيح بكه للتعليم دورات تدريبية للمبتدئين والمحترفين في مجال إدارة المخاطر، والتي تعزز من مهارات المتدربين وتصقل من معارفهم بأفضل ممارسات إدارة المخاطر، بما يؤهلهم للحصول على الشهادات المهنية المُعتمدة في هذا المجال، وتشمل تلك الدورات ما يلي:
كيفية استخدام هرم السيطرة على المخاطر:
هناك مجموعة من الخطوات التي يجب القيام بها عند تنفيذ طرق التحكم في المخاطر الواردة في التسلسل الهرمي، وتشمل ما يلي:
1- تحديد المخاطر
في البداية، لا بد من تحديد المخاطر في مكان العمل وتقييم تلك المخاطر وتحديد تأثيراتها السلبية على الموظفين، ويمكن تنفيذ ذلك من خلال فحص مكان العمل وإجراء جولات ميدانية والتحدث مع الموظفين الذين يقضون معظم الوقت في مكان العمل هذا ويمكنهم تسليط الضوء على المخاطر غير المرئية.
وبعد جمع المعلومات السابقة، يتم تقييم المخاطر وترتيبها من حيث احتمالية الحدوث وشدة التأثير، وذلك من أجل تحديد المخاطر الأكثر خطورة وتخصيص الموارد لها والتركيز على معالجتها.
2- تطبيق هرم التحكم في المخاطر
بعد تحديد المخاطر وتقييمها؛ تأتي خطوة تطبيق هرم التحكم في المخاطر، إذ يتم إعطاء الأولوية للضوابط الأعلى في التسلسل الهرمي، لأنها قد تكون أكثر فعالية، مع إمكانية استخدام تدابير تحكم متعددة لمعالجة خطر واحد إذ لم يكن تدبير التحكم الوحيد كافِ.
3- إخطار الموظفين بتدابير التحكم في المخاطر
بعد اختيار وسيلة التحكم الفعالة لكل خطر؛ لا بد من إخطار الموظفين بها حتى يكونوا على دراية بجميع التدابير التي تُنفذ في مكان العمل، مع إمكانية الحصول على تعليقات الموظفين لمعرفة مدى تأثر العمليات التشغيلية بالمؤسسة بتلك التدابير.
4- تحديث الخطة
بعد تنفيذ تدابير التحكم في المخاطر؛ يجب استعراضها وإجراء مراجعات دورية عليها للتأكد من فعاليتها، مع إمكانية إجراء تعديلات على الخطة في حالة حدوث تغييرات في المعدات أو العمليات أو البيئة.
5- توثيق النتائج
يجب توثيق جميع خطوات تنفيذ هرم التحكم في المخاطر والنتائج التي جرى التوصل إليها في سجلات ومشاركتها مع الموظفين ورفعها إلى إدارة المؤسسة لإبقائهم على إطلاع بجميع المستجدات ولضمان الشفافية في تنفيذ هذه العملية.
أهمية هرم التحكم في المخاطر:
يُعد هرم التحكم في المخاطر من الاستراتيجيات الفعالة لإدارة المخاطر والذي يحقق عدة فوائد نبرزها فيما يلي:
1- خلق بيئة عمل آمنة
يضمن تطبيق هرم التحكم في المخاطر خلق بيئة عمل آمنة، لأنه يقضي على المخاطر أو يقلل منها إلى أدنى حد، وهو ما يضمن حماية الموظفين والحفاظ على سلامتهم من التعرض لأي عوامل خطرة.
2- زيادة الإنتاجية
عندما تطبق المؤسسة هرم التحكم في المخاطر وتوفر للموظفين بيئة عمل آمنة؛ فهي بذلك تساعدهم على التركيز أكثر في العمل، مما يساهم في تحسين أدائهم وزيادة رضاهم ومن ثم زيادة إنتاجيتهم، كما تأتي الزيادة في الإنتاجية بسبب تقليل مخاطر الحوادث وبالتالي لا تعاني المؤسسة من توقف العمل أو تكبد تكاليف تلك الحوادث.
3- تعزيز الامتثال للوائح
يعكس تطبيق هرم التحكم في المخاطر مدى امتثال المؤسسة للمتطلبات القانونية للصحة والسلامة في مكان العمل، لأنها تنفذ التدابير التي تقضي على المخاطر أو تقلل منها.
4- تحسين سمعة المؤسسة
يلعب تنفيذ هرم التحكم في المخاطر دورًا بارزًا في تحسين سمعة المؤسسة، لأنها تظهر من خلاله مدى التزامها بالصحة والسلامة في مكان العمل، وهو ما يعزز من قدرتها على بناء الثقة والمصداقية مع الموظفين والعملاء وأصحاب المصلحة الآخرين.
5- تحسين معنويات الموظفين
ينعكس تنفيذ مثلث المخاطر بصورة إيجابية على معنويات الموظفين، لأنه دليلًا على مدى حرص المؤسسة على الحفاظ على سلامتهم من أية مخاطر، وهو ما يزيد من رضا الموظفين وشعورهم بالأمان، وبالتالي يقل معدل الدوران الوظيفي لأن الموظفين لا يسعون للبحث عن فرص عمل في أماكن أخرى.
6- تعزيز ثقافة السلامة
ينطوي تنفيذ أيًا من مستويات هرم التحكم في المخاطر توعية الموظفين بالمخاطر التي تحيط بهم في مكان العمل وتدريبهم على كيفية التعامل معها، وهو ما يعزز من ثقافة السلامة داخل المؤسسة.
أهداف هرم التحكم في المخاطر:
تتعدد الأهداف التي تسعى المؤسسات لتحقيقها من خلال تطبيق هرم التحكم في المخاطر، والتي تتمثل فيما يلي:
- تقليل الحوادث والإصابات في مكان العمل، من أجل عمل الموظفين في بيئة أكثر أمانًا.
- توفير التكاليف التي تتكبدها المؤسسات نتيجة العلاج من الحوادث والإصابات وإصلاح المعدات والأدوات، فضلًا عن الغرامات المالية نتيجة عدم الامتثال لقوانين السلامة والصحة المهنية.
- جعل مكان العمل بيئة جاذبة لأفضل الموظفين للعمل به، وكذلك للعملاء والمستثمرين وأصحاب المصلحة للتعاون مع المؤسسة.
- تقليل المخاطر من أجل زيادة الكفاءة التشغيلية في مكان العمل وتعظيم الإنتاجية والأرباح النهائية.
- دعم أهداف التنمية المستدامة التي تسعى لها المؤسسات عبر تطبيق ممارسات مجال السلامة.
الخاتمة:
هرم التحكم في المخاطر هو نظام فعال تستخدمه المؤسسات لحماية الموظفين من المخاطر المهنية، ويقوم على خمسة مستويات تبدأ بإزالة الخطر وتستمر عبر استبداله وضوابط هندسية وإدارية وصولاً إلى استخدام معدات الحماية الشخصية. يتم اختيار أفضل طريقة للتحكم في المخاطر وفقًا لهذا التسلسل الهرمي لضمان بيئة عمل آمنة.
وفي الختام، فإن التطبيق الصحيح لهرم التحكم في المخاطر واختيار المستوى المناسب للمخاطر التي تواجهها المؤسسة، يعزز من قدرتها على التقليل من أي خطر وحماية موظفيها والحفاظ على سلامتهم في مكان العمل.